المتدربون في الإعلام الموريتاني والحقوق الضائعة
عبد الله الطالب أعمر أحد الشباب الذين وجدوا ذواتهم في الإعلام وقرروا ولوج ميدانه،وهو يتذكر جيدا تجربته مع الإعلام الخصوصي التي حدثت إبان تفشي الموجة الأولى من كورونا في موريتانيا،ويروي تلك التجربة بقوله:
“بدأت مشواري في العمل الصحفي مع مؤسسة خصوصية،بعد فترة معلومة قضيتها في المواقع المحلية وبعض الصفحات الأجنبية،وكان هدفي التدريب بغية اكتساب المهارات،وصادف الأمر انتشار جائحة كورونا،غير أن ذلك لم يمنعني من العمل بجد،سعيا لاكتتابي كموظف في المؤسسة التي كانت ترسلني يوميا للميدان،أعد التقارير الإخبارية للنشرة المسائية الرئيسية،وكنت أغض الطرف عن احتمال الإصابة بكوفيد وأنا في الأسواق والأماكن العامة أنجز المقابلات،ومع مرور فترة من تدريبي أخبروني بأنه سيتم اكتتابي في نهاية التدريب،وقد امتد 6 أشهر كنت طوالها أعزف على وقع الانتظار،بيد أن الاكتتاب لم يحدث في النهاية ولم تقدم لي أي تعويضات ولا حتى شهادة تدريب للإدلاء بها عند الحاجة”.
توفر مؤسسات الإعلام الخصوصي الفرص للشباب الذي تخرج حديثا من المعاهد الإعلامية،أو الذي دخل المجال إيمانا وحبا فيه،حيث تضع تحت تصرفهم الوسائل اللازمة من تكوين وتأطير وأدوات تضمن التطبيق الفعلي بغية اكتساب المهارة والمعرفة،ويجمع جلّ القائمين على هذه المؤسسات أن الجزاء الذي يحصلون عليه في الغالب يتمثل في رحيل المتدرب بعد حصوله على أول فرصة،ما يعني ضياع الجهود التي يبذلونها عند كل فتح لباب التدريب أمام الشباب،مع الإشارة إلى القول بأن المتدرب يكون على اطلاع من اليوم الأول على حقيقة العلاقة التي تربطه بالمؤسسة،والتي تقوم على عدم ضمان أي تعويض فترة التدريب أو اكتتاب بعده.
الإقبال الذي عرفه الإعلام الخصوصي وإن كانت مؤسساته تعد على رؤوس الأصابع،منح بعض القائمين عليه فرصة الحصول على يد عاملة تؤدي كل الأعمال مقابل وعود لا ترى النور تقول م ش،والذي يحصل منها يكون في كثير من الأحيان على أساس تقديم تنازلات،وتضيف قائلة:
“في أول يوم لي دخلت على المدير العام للمؤسسة،وقد قال لي بالحرف الواحد أستطيع أن أمنحك فرصة لكن في المقابل عليك أن تعلمي علم اليقين أن الأمر يتطلب أن نكون كإنسان واحد،وأن تكوني مستعدة لتقديم ما أطلبه منك في أي وقت”
تقول م ش وهي تتذكر الأمر بحسرة:
“لقد كان في عمر والدي تقريبا،وأمام هول الصدمة لم أستطع أن أنطق بكلمة،كانت دمعتي تسبق كلمتي،ثم قمت لا تكاد أقدامي تحملني وخرجت ثم لم أعد نهائيا لتلك المؤسسة حتى يوم الناس هذا،لقد كان يوما صعبا لا يمكن أن أنساه بأي حال من الأحوال”.
الانتهاكات التي تحدث خلف الأبواب الموصودة من النادر جدا أن تخرج للملأ،فقد جرت العادة أن يتم التستر عليها من طرف المُعتدى عليها،خوفا من هاجس نظرة المجتمع للمرأة في الإعلام،حيث يرى كثيرون أن دورها في الحياة يجب أن يقتصر على البيت وتربية الأطفال،والامتيازات التي تمنح على أساس التنازلات وضعت حواء في الإعلام أمام تحد صعب،فنهم القائمين على جل المؤسسات الإعلامية ترك انطباعا عن كل فتاة تجد طريقها للإعلام،حيث تعتبر طرفا في صفقة وإن كانت وصلت لما وصلت إليه بالتوكأ على شهاداتها والعطاء الذي تقدمه للمؤسسة،تقول أم البنين محمد وهي تحكي عن قصتها مع التدريب:
“بعد مماطلات كثيرة وآمال مبعثرة هاهو اليوم المنشود يلوح في الأفق،كنا مجموعة عمال في مؤسسة إعلامية خاصة،وكما هو الحال كنا على وعد مع اكتتاب فوري بعد مرحلة التدريب،غير أن الظروف العامة التي طبعها كوفيد حالت دون ذلك،وأمام استمرار المماطلات استسلم البعض للإحباط،وكنت الفتاة الوحيدة المتبقية في المجموعة،الأمر الذي شكل تحديا سواء على المستوى الشخصي أو العام،فالنساء في الحقل الإعلامي يتم اعتبار وصولهن لأي مرحلة حدث بالطرق الملتوية،الأمر الذي رفضته رغم المغريات الكثيرة،ومع الأيام قررت الانسحاب وخرجت كما دخلت،دون أي توظيف أو تعويض مادي أو معنوي”.
نقيب الصحافيين الموريتانيين أحمد سالم الداه يقول بأن ما يعيشه المتعاونون في المؤسسات الإعلامية صعب جدا،في ظل غياب أبسط الحقوق (المادية والمعنوية)،إلى جانب حقيقة أنه يمكن الاستغناء في أي وقت عن خدمات المتعاون ويضيف:
“نحن في النقابة جعلنا هذا الموضوع في قائمة الأولويات،حيث ناقشناه مع الجهات الحكومية وأدرجناه ضمن اهتماماتنا في اللقاءات التي جمعتنا بلجنة إصلاح قطاع الصحافة،وقد خرجت توصية خاصة بشأن المتعاونين،ونحن نتابع تطبيق تلك التوصية،فهذه القضية لا بد أن يتم ضبطها لتفادي ضياع الحقوق،وقد بدأت بالفعل بعض المؤسسات الخصوصية تعالج هذا الإشكال،من خلال إنجاز عقود عمل مع المتعاونين”.
تعرف البطالة انتشارا كبيرا في صفوف الشباب الموريتاني،ورغم التباين بين احصائيات الجهات الرسمية(11.6%- 2017) ومنظمة العمل الدولية(31% – 2018) فإن حجم المشاركة في المسابقات الوطنية يدل على ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير بين صفوف الشباب الذي يمثل أكثر من 60% من السكان،وفي ظل عجز بعض مؤسسات الإعلام الخصوصي عن دفع رواتب عمالها وتأخرها ثلاثة أشهر أحيانا وفق من التقينا به من هؤلاء، تراجع الإقبال على العمل في هذه المؤسسات التي لجأت للمتدربين للقيام بالأعمال دون الطمع في التعويض،واحتمال الاستغناء عنهم عند أي طارئ كما حدث مع انتشار كورونا.
أموه احمدناه
تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.