تأثر التعليم الديني بإجراءات كوفيد وتداعياته.. عبد الله علي

ما إن أعلن عن أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا بالبلاد حتى بدى أن تغيرا ستشهده الحياة العامة لما رافق الوباء من أخبار أرهبت العالم ، تداعيات الوباء التي بدأت سريعا شملت توقف التدريس في التعليم المحظري بعد إعلان وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي في 22 من مارس عام ألفين وعشرين وإبلاغها شيوخ المحاظر بضرورة التوقف عن التدريس حتى بغية الحفاظ على سلامة الجميع وفق ماورد في البيان حينها ، أمر لم يتبين شيوخ المحاظر سواد خيطه من بياضه حتى تسارعت وتيرة الإصابات ولم يعد بالإمكان متابعة التجمعات ، أشهر بعد ذلك وفي ذروة الموجة الثانية من الوباء وتحديدا في 7 من ديسمبر من نفس العام أعلنت الوزارة عن ضرورة التوقف عن التدريس لمدة أسبوع ، أسبوع تم تمديده إلى شهر بعد ذلك ليتم استئنافه بعد ذلك
أطوار التوقف والاستئناف غير المسبوقة هذه عايشها شيخ محظرة “إحياء السنة” الأستاذ محمد عبد الرحمن ولد محمد ويتذكر جيدا ماصاحبها من تداعيات يصفها بالقاسية والصعبة حيث يقول ”  لقد كان الضرر كبيرا وقاسيا على شيوخ المحاظر فقد كنا نحصل على قوتنا اليومي من خلال التدريس الأهلي وبعد توقيفه لم يعد هذا متاحا ، ولم نجد يد العون من طرف الوزارة الوصية ، رغم أننا نستحق ذلك .. لقد تلقى أصحاب المدارس الحرة تعويضا بعد مرحلة التوقف ولكننا كشيوخ محاظر لم نتلقى أي دعم مادي ولامعنوي ، والضرر بادٍ والجميع يدركه سواء على مستوى الشيوخ أو على مستوى الطلاب …
ولم يعد بالإمكان أن ندرس تدريسا خاصا في البيوت فالجميع أصبح يتحفظ على نفسه وأهله وكان من المفترض أن نتلقى تعويضا بعد توقف مصدر عيشنا ، ولم يتم إدراجنا في مشروع تآزر لدعم الفئات الهشة ، ونحن نحس بأننا ظلمنا ، هذا في المرحلة الأولى أما المرحلة الثانية فقد حاولنا توفير الشروط التي أقرتها وزارة الصحة من تباعد وتعقيم ووضع كمامات أو مايقوم كقامها دون التوقف عن التدريس وهذا بدعم من الأهالي حيث كانوا يدعموننا لئلا يتوقف أبناؤهم عن قراءة القرآن ”
ما واجهه شيخ محظرة “إحياء السنة” خلال فترات الحظر وتوقف التدريس المحظري لاقاه أيضا محمد عبد الرحمن ولد سيد المختار شيخ محظرة “رياض أهل الحديث” بدار النعيم حيث يصف تأثره “لقد تأثرنا تأثرا غريبا بعد إغلاق المدارس والمحاظر ، فلم يعد بإمكاننا شيء فقد أصبح البعض يبلغ عنا عندما يُقدم أحدنا على التدريس أو تدارس طلابه خلسة رغم أننا نتبع في ذلك إجراءات السلامة ، وتأثرت المحاظر بذلك تأثرا قويا بعد توقف الدخل خاصة أننا نؤجر أماكن وأساتذة للتدريس ولم يعد بالإمكان تغطية تلك الحاجيات ، هذا بالإضافة إلى حاجياتنا الأسرة “
عشرة أشهر إلا نزرا يسرا من الزمن قضتها المحاظر بين قرار يقضي بتعليق التدريس فيها حتى حين وآخر يعيد نشاطها وحركيتها مع ضبط وشروط تصعب أحيانا على الشيوخ والأساتذة والطلاب كذلك ، فترة ظلت فيها المحاظر بالبلاد شبه تابعة للقرارات المطبقة على مدارس التعليم النظامي ، تتوقف بتوقفها وتعود للنشاط بعودتها دون أن ينسحب التعويض الذي قدمته الدولة لمؤسسات التعليم الحر على المحاظر من جهة الوزارة الوصية عليها كما يرى بعض شيوخ المحاظر
تداعيات الجائحة على هذه الفئة يراها الخبير الإجتماعي وأستاذ علم الاجتماع بجامعة العيون الإسلامية سيدي محمد ولد الجيد أنها “من المؤكد أن الجائحة أثرت سلبا على المحاظر، حالها في ذلك كحال غيرها من المؤسسات الأهلية التي اضطرت لتعليق نشاطها استجابة لاكراهات الحجر الصحي الاحترازي كما أن الكثير من العوائل احجمت عن الدفع بأبنائها الى المحاظر خلال تلك الفترة توجسا واحترازا من مخاطر الإصابة بهذا الفيروس الفتاك. ولا شك ان ذلك الوضع جعل الموارد المالية لهذه المؤسسات الاهلية تتقلص بشكل كبير، خاصة وأن الكثير منها يتحمل أعباء الإيجار واتعاب المدرسين ، وغير ذلك من النفقات الجارية.
وامتد التأثير ليطال بطبيعة الحال الشيوخ القيمين على هذه المحاظر، ليشمل المدرسين بها وكل من يدور في فلكها ونظرا لكون البعض من مدرسي القرآن الكريم يقدمون تلك الخدمة في المنازل، واعتبارا لتعذر ذلك بفعل اكراهات الجائحة فقد تأثروا تأثيرا بالغا لانقطاع ارزاقهم ومصدر عيشهم الوحيد، خاصة وأن السواد الأعظم منهم يكون وافدا على العاصمة من مدن الداخل طلبا لتأمين حياة كريمة من خلال امتهان التدريس بالبيوت ” وبخصوص التعويض يقول الدكتور “لست على اطلاع بالآليات التي تم اعتمادها لتقديم التعويضات للمتضررين من الجائحة، ومع ذلك يبقى من المعلوم ضرورة أن كل سبل ولوجه ومناحي ومداخل الدعم والإسناد والمؤازرة المادية واللوجستية والمعنوية لهذه المؤسسة الأهلية الرائدة، ولشيوخها ومدرسيها والدارسين بها، مطلوبة ومرغوبة ومثمنة، خاصة وأن ماتقدمه من خدمة التعليم الأصلي،  وما تسهم به من تنشئة اجتماعية للنشء ، في بعدها الروحي القيمي والأخلاقي ، لابديل عنها، كما أنها مكملة للتعليم العصري.
كل ذلك يجعل من الضروري وضع آليات عملية لضمان الدعم الرسمي للمؤسسي والشعبي الذاتي والخاص لها، حتى تتمكن من التكيف مع اكراهات ومتطلبات الحياة في الفضاء الحضري وليستمر ما تقدمه من عطاء
ولاابد هنا من التنويه بأن هذه المحاظر تعتبر مبادرات فردية لازالت تتلمس طريقها نحو المأسسة ، كما أنها تعاني الكثير من الاكراهات، خاصة في بعدها المادي اللوجستي والتنظيمي، لذا ينبغي العمل على مناصرتها وتيسير سبل دعمها ومؤازرتها على كافة الأصعد نظرا لاهمية القصوى بالنسبة لحاضر ومستقبل هذا المجتمع الذي تعصف به العولمة الثقافية والاجتماعية.” ينهي الدكتور حديثه
التأثر الإجتماعي والانعكاسات السلبية للجائحة على الشيوخ والطلاب قد يكون لها بعد نفسي كما يرى أستاذ علم الاجتماع عبد الله ولد أحمد فال بجامعة انواكشوط العصرية “فالقلق النفسي والشعور بالوحدة والفراغ بسبب العزلة الاجتماعية خاصة في ظل استمرارية الجائحة وتقلص فرص التواصل مع العالم الخارجي كلها أشياء قد تسهم في خلق جو من عدم الارتياح النفسي تدعمه الظروف الاقتصادية المتدهورة بسبب توقف مصدر العيش ”
عجلة تحسن الأوضاع بدأت تتحرك بعد تراجع الإصابات المسجلة ودخول البلاد مرحلة التعايش والتلقيح ضد الفيروس التاجي ، لكن تخوفا كبير يلوح في الأفق بعد الدخول في موجة ثالثة بدأت معالمها تتضح بعد ارتفاع معدل الإصابات مجددا ، وهو ماقد يعيدنا للمربع الأول حيث الإغلاق والتوقف ، خاصة وأنا التعليم الأهلي يكثر الإقبال عليه في فترة العطلة الصيفية من كل عام.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

الوسوم
زر الذهاب إلى الأعلى