أشخاص يجب حظرهم / محمد عبد الله ولد سيدي
يعتقد فرانسيس بيكون أن “مكيافيللي” يتناول الأشخاص كماهم إلا أن ذلك لم يحسن من سمعته التي ظلت ولازالت موطن طعن وشبهة ، ورغم كل ذلك فإن “كتابه الأمير” يظل أهم وثيقة سياسية عرفها التاريخ البشري ولا نعتقد أنه يوجد حاكم لا يضع كتاب الأمير بجانب مخدة نومه حتى ولو كان قادما عبر صناديق الاقتراع وبأغلبية الشعب.. وحق له أن يفعل ذلك حتى يفهم الأشخاص على حقيقتهم وتتسنى له حماية مشروعه من الطمع والفوضى والتشكيك..
سيظل التحدي الرئيسي الذي يواجه ديمقراطيتنا هو تعثر المسار السياسي وتعود ساستنا على المراحل الانتقالية وعدم فهمهم للتعقيدات التي تحكم التحول الديمقراطي والتناوب السلمي على السلطة والحراك الحقوقي الذي يرافق ذلك ، وارتباطه بمعطيات داخلية وخارجية، وكذا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تفرض نفسها بإلحاح ، وقلة من قادتنا السياسيين هم من يدركون هذه الحقائق على بداهتها، وقد جعلتنا هذه الوضعية أمام نخب تكره الديمقراطية خوفا من فقدان مكانتها داخل السلطة والمجتمع التقليدي ، خاصة إذا كانت تلك النخب تمتهن العمل السياسي وتجعل منه بقرة حلوبا يجب ألا يتوقف إدرارها للحليب وبفعل هذا النمط التسييري الوبائي أضحت أحزابنا السياسية مجرد أبواق تشحن بطاريتها أمام المناسبات السياسية وتنتهي مع نهاية كل استحقاق انتخابي ، وبات جل ساستنا يعتمدون المغاضبة وبث الخطاب الشرائحي والجهوي وحتى القبلي ويغذون الشحن والتحريض على الدولة إن هي لم تقسم لهم في الكعكة .. وتلك عقلية يجب أن نحمي منها مشروعنا السياسي حتى لا تبتلعه كثبان من الطمع الهائج وسيل من الكذب وتزييف الحقيقة .
في الواقع يبدو مشهدنا السياسي أكثر تمسكا بهذه الحالة المرضية ، فنخبتنا السياسية حريصة أكثر من أي وقت مضى على تأزيم المشهد الذي كان من المفترض أن يسلك طريق الاعتراف المتبادل بين المعارضة والموالاة بعد انتخابات رئاسية كانت الأكثر نزاهة وشفافية وتنظيما على الإطلاق ، لكن أمورا في حسابات المرشحين الخاسرين فرضت عليهم نسف المبادئ الديمقراطية عن طريق النكران المستمر والرفض المتهور لنتائج الاقتراع الرئاسي الأول من نوعه لتداول سلمي ديمقراطي على السلطة في تاريخ البلاد .
نعتقد أن المرشحين الخاسرين يعولون على الكياسة والاعتدال الذين يتمتع بهما رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني لكنهم أفرطوا كثيرا وتعسفوا حين اختاروا لغة التصعيد والأنماط والأساليب المهجورة في العمل الديمقراطي والتي ما تزال أثارها المدمرة بادية على أحزاب المعارضة وشخصياتها التي اختارت تلك الأساليب طيلة مشوارها السياسي ، وقد انتهى بهم المطاف يجلسون على ناصية شارع مهجور ..!
يجب على النخب السياسية إدراك أن للعمل السياسي طقوسا لا يكون للديمقراطية طعم ولا رائحة دون ممارستها ولعل من أقدس تلك الطقوس الاعتراف بالآخرـ بدون ثمن ـ والحوار معه على مبدأ الخلاف ـ وليس الاختلاف ـ فالديمقراطية تفترض ذلك الخلاف وتعمل على تذليله وردم هوته عبر مختبرات النقاش والحوار ، ولن تنضج تجربتنا الديمقراطية الفتية ما لم نعمل على تطوير هذا الأسلوب الديمقراطي الراقي والعمل به ، ونعتقد أن الأشخاص الذين صوتوا لتلك النخب ومنحوها مكانا داخل المشهد السياسي لم يقوموا بذلك إلا من أجل مصالحهم ، وبالتالي يكون من الأنانية والنكران أن لاترى تلك النخب سوى مصالحها وطموحها الشخصي المرهون بكرسي رئاسي لا يسع إلا شخصا واحدا ..
في الحقيقة على نخبتنا السياسية ـ موالاة ومعارضةـ أن تغادر “إستراتجية الإلهاء ” التي نظر لها المفكر “نعوم تشومسكي” والتي تقوم على إشغال الجمهور عن القضايا الأساسية والمصيرية بمسائل تافهة لا أهمية لها ، ويبدو أن “نخبتنا المنظرة” بنت إستراتجيتها الإعلامية على تلك النظرية فهي لا تصدر للرأي العام سوى التأزيم ،والجنوح للصدامية وخطاب التطرف والشرائحية وعدم الاعتراف بالآخر في حين أن خطاب المرحلة يجب أن يكون تصالحيا يعلي قيم الوطنية وقضايا التنمية ويخطط للمستقبل عن وعي ومسؤولية.